شخصية سينمائية تُعد الأكثر واقعية في تصوير السايكوباثية

في عالم السينما، غالبًا ما تُقدم الأفلام صورًا مبالغًا فيها أو غير دقيقة عن الأمراض النفسية، حيث يميل كتاب السيناريو إلى التركيز على مشاهد العنف والفوضى بدلاً من استكشاف العمق النفسي للشخصيات. فعلى سبيل المثال، قد نرى شخصية سينمائية تضحك بجنون أثناء ارتكابها لجرائمها، وهي ليست سوى صورة نمطية لا تعكس الواقع النفسي الحقيقي. حتى الأفلام التي تدعي الاهتمام بالجوانب النفسية قد تقدم صورًا جزئية أو غير كاملة، كما في فيلم “Psycho” أو غيره من الأفلام التي تناولت اضطراب الهوية التفارقي.

لكن، وفقًا لتقرير نشرته “Science News” في عام 2014، هناك شخصية سينمائية تمثل استثناءً ملحوظًا، وهي “أنطون شيغور” من فيلم “No Country for Old Men” الحائز على جائزة أفضل فيلم في عام 2007، من إخراج الأخوين كوين. أنطون شيغور، الذي أدى دوره الممثل خافيير بارديم الحائز على جائزة الأوسكار، هو قاتل مأجور يستخدم أداة غريبة تُعرف بمسدس رصاص يشبه الاسطوانة، وهو جهاز يطلق مسمارًا معدنيًا في دماغ الضحية باستخدام ضغط الهواء، ثم يسحبه مرة أخرى، وهي أداة تُستخدم عادةً لذبح الماشية. لكن أنطون ليس مجرد قاتل؛ إنه وحش هادئ ومنفصل تمامًا عن العالم من حوله، يتحدث بصوت خافت ويظهر كأنه خالٍ من المشاعر الإنسانية. ابتسامته، إن وجدت، تبدو مصطنعة ومُتلاعبة، وهو ما يجعله تجسيدًا دقيقً لسايكوباثية.

هذا الاستنتاج توصل إليه عالم النفس الجنائي صموئيل ليستدت وزميله بول لينكوفسكي بعد مشروع بحثي ممتع استمر ثلاث سنوات، شاهدوا خلاله 400 فيلم يتضمن كل منها شخصية يُفترض أنها تعاني من الذهان النفسي. هدفت الدراسة إلى تحديد أي الأفلام قدمت تصويرًا دقيقًا لهذا الاضطراب. وكانت النتيجة أن أنطون شيغور هو الأكثر دقة في تصوير الذهان النفسي. يقول ليستدت، الذي أجرى مقابلات مع قتلة مأجورين حقيقيين، إن أنطون يمتلك نفس الهدوء المخيف والخالي من القلق الذي رآه في مرضاه: “إنه يؤدي عمله ثم ينام دون أي مشكلة. في ممارستي، قابلت أشخاصًا يشبهونه، باردون، أذكياء، بلا شعور بالذنب، بلا قلق، بلا اكتئاب”. وقد شخص ليستدت أنطون على أنه “سيكوباثي أولي كلاسيكي”، محذرًا من أن أي شخص يُذكّرك بهذه الشخصية قد يكون جديرًا بالحذر.

لم يكن أنطون شيغور الوحيد الذي لفت انتباه الدراسة. فقد احتلت شخصية “هانز بيكرت”، القاتل المتسلسل للأطفال في فيلم “M” للمخرج فريتز لانغ عام 1931، مكانة متقدمة أيضًا. في هذا الفيلم، يتسبب هانز، الذي أدى دوره بيتر لوري، في حالة من الذعر في برلين بسبب جرائمه، مما يدفع المجرمين المحليين إلى مطاردته بأنفسهم بسبب ازدياد وجود الشرطة. في نهاية الفيلم، يظهر هانز وهو يصرخ في رعب، معترفًا بأن دوافعه الإجرامية هي شيء لم يستطع مقاومته. وقد شخصه ليستدت على أنه “ذهاني ثانوي مع تشخيص إضافي بالفصام”. كذلك، أشار إلى شخصية “هنري” في فيلم “Henry: Portrait of a Serial Killer” لعام 1986، التي تُعد واقعية بشكل مقلق بسبب افتقارها للتخطيط، وعدم شعورها بالتعاطف، وحياتها في حالة من الفوضى والفقر.

على الرغم من رعب العديد من الأشرار السينمائيين الشهيرين، إلا أنهم لا يقدمون تصويرًا دقيقًا للذهان النفسي. على سبيل المثال، شخصية “نورمان بيتس” في فيلم “Psycho” قد تكون مصابة بالفصام (الهلوسة والأوهام)، لكن ذلك يختلف عن الذهان النفسي الخالي من المشاعر. وينطبق الأمر نفسه على “هانيبال ليكتر” في فيلم “The Silence of the Lambs”، حيث إن هدوءه المقلق، رغم جاذبيته الدرامية، لا يعكس سمات الذهانيين الحقيقيين، كما يرى ليستدت.

يُظهر هذا البحث أن السينما، رغم ميلها أحيانًا إلى المبالغة، يمكن أن تقدم تصويرًا دقيقًا للاضطرابات النفسية عندما يتم التعامل معها بعناية وبحث معمق. شخصية أنطون شيغور، ببرودها المرعب وانفصالها العاطفي، تُعد نموذجًا نادرًا لتصوير واقعي يعكس الذهان النفسي بطريقة تجمع بين الرعب والدقة العلمية. إنها دعوة لعشاق السينما للنظر إلى هذه الأعمال بعين ناقدة، مع تقدير الجهود التي تسعى لتقديم صورة أكثر صدقًا عن الإنسانية، حتى في أحلك جوانبها.

أضف تعليق