في مستقبل بعيد حيث الاستعمار الفضائي لم يعد حلمًا بل ضرورة، يقدم لنا المخرج بونغ جون هو فيلم “ميكي 17” كحكاية خيال علمي تتجاوز الحدود التقليدية للنوع، وتغوص في تساؤلات فلسفية عن الهوية والوجود والتكرار.
“ميكي” هو مستنسخ قابل للتجديد. كلما مات، يتم إنشاء نسخة جديدة منه، حاملة ذكريات القديمة. لكن ماذا يحدث عندما تبدأ النسخة التالية في التمرد على النسخة الحالية؟ هل الذات ترتبط بالجسد؟ أم بالذاكرة؟ أم أن كليهما زائل في منظومة تتحكم بها السلطة والعلم؟
هذه الأسئلة ليست سطحية، بل تُنسج داخل حبكة تجمع بين الفكاهة السوداء، والكآبة الوجودية، والتصادم الداخلي.
روبرت باتينسون يؤدي دور ميكي (أو بالأحرى، ميكيات متعددة) بذكاء ومرونة. ينقلك بين القلق والتهكم، بين الرغبة في الحياة والاشمئزاز منها. لا يؤدي الشخصية فحسب، بل يحمل الفيلم على كتفيه بنظراته وتعبيراته الهاربة من السطور.
الإخراج والرؤية البصرية

أسلوب بونغ جون هو واضح: خلف كل مشهد خيال علمي، هناك مرآة لواقع بشري هش. التصوير متقن، الإنتاج فخم دون أن يغرق في البهرجة، والإضاءة تلعب دورًا في ترسيخ الانفصال بين الإنسان ونسخته. هناك لحظات توتر عميقة، ومشاهد تأملية تذكّر بأفلام مثل Moon وEx Machina، لكنها بنكهة آسيوية هجينة، فيها من العبث والرمز أكثر مما قد يبدو أول وهلة.
الملاحظات
ورغم كل هذا، يعاني الفيلم في منتصفه من تباطؤ في السرد، وتكرار بعض الحوارات الفلسفية بطريقة تفقد وقعها. كما أن بعض الشخصيات الجانبية لم تُمنح حقها دراميًا، مما يضعف من أثر الصراعات الخارجية مقارنة بالصراع الداخلي لميكي.
خلاصة
“ميكي 17” ليس فيلمًا للجميع. هو تجربة ذهنية قبل أن يكون رحلة بصرية. يمزج بين الخيال العلمي والسخرية والدراما النفسية في وعاء واحد. قد لا يصيب كل أهدافه، لكنه بلا شك فيلم ذكي، مختلف، ويدعوك للتفكير أكثر مما يمنحك إجابات..إذا كنت من محبي الأفلام التي تثير الأسئلة ولا تهتم بتقديم الحلول الجاهزة، فـ”ميكي 17″ يستحق التجربة… ولو مرة واحدة على الأقل.


أضف تعليق