Everybody Knows – 2018

Everybody Knows – 2018

فيلم “الجميع يعلم” (Todos lo saben)، الصادر عام 2018، هو العمل الثامن للمخرج الإيراني أصغر فرهادي، ويُعدّ تجربته الأولى في السينما الناطقة بالإسبانية. يجمع الفيلم بين الدراما العائلية والغموض، معتمدًا على أسلوب فرهادي المميز في استكشاف العلاقات الإنسانية والصراعات الأخلاقية. رغم أن الفيلم لا يرقى إلى مستوى روائعه السابقة مثل “انفصال”، إلا أنه يظل عملًا سينمائيًا جذابًا يستحق التأمل.

تدور أحداث الفيلم حول لورا (بينيلوبي كروز)، امرأة إسبانية تعيش في بوينس آيرس، تعود إلى بلدتها الصغيرة خارج مدريد مع طفليها لحضور زفاف أختها. خلال الاحتفالات، تختفي ابنتها المراهقة إيرين (كارلا كامبرا) في ظروف غامضة، مما يُحوّل الفرح إلى توتر وفوضى. تتكشف الأسرار العائلية والعلاقات المعقدة، خاصة بين لورا وصديقها القديم باكو (خافيير بارديم)، بينما تتصاعد الشكوك حول من قد يكون وراء الاختطاف. يركز فرهادي على ردود أفعال الشخصيات أكثر من الحدث نفسه، مما يجعل الفيلم دراسة عميقة للعلاقات تحت الضغط.

يُظهر فرهادي مهارته في خلق أجواء مشحونة بالتوتر، رغم عمله خارج بيئته الثقافية. يستخدم الكاميرا بأسلوب يعكس الحياة اليومية، مع لقطات ديناميكية تلتقط فوضى الزفاف وتصاعد القلق بعد الاختطاف. التصوير (بيدرو ألمودوبار) يبرز جمال الريف الإسباني، مع تناقض بين المناظر الطبيعية المشمسة والعواصف المطرية التي تعكس الاضطراب النفسي. ومع ذلك، قد يبدو الفيلم أقل تركيزًا مقارنة بأعمال فرهادي السابقة، مع بعض الخيوط السردية التي لا تُربط بشكل كامل.

يُقدم الثنائي بينيلوبي كروز وخافيير بارديم أداءً قويًا يحمل الفيلم. كروز تتألق في تجسيد لورا، أم ممزقة بين اليأس والأمل، بينما يضفي بارديم على باكو عمقًا عاطفيًا كرجل يواجه ماضيه. الديناميكية بينهما، المعززة بكيمياء حقيقية (كونهما زوجين في الحياة)، تضيف طبقة إضافية من المصداقية. الممثلون الثانويون، مثل باربارا ليني (بيا) وريكاردو دارين (أليخاندرو)، يقدمون أداءً قويًا، لكن بعض الشخصيات تبدو أقل تطورًا، مما يُضعف تأثيرها.

السيناريو، من تأليف فرهادي، يحمل بصمته في طرح أسئلة أخلاقية معقدة حول الثقة، الأسرار، والمسؤولية. الحوارات واقعية وتعكس التوترات العائلية، لكن الفيلم يعاني من بعض التلميحات الواضحة جدًا، مما يجعل بعض التطورات متوقعة. على عكس أعمال فرهادي السابقة، التي تُحافظ على غموض مشوق، يبدو حل اللغز هنا أقل تأثيرًا، مع تركيز أكبر على الدراما العائلية على حساب عنصر التشويق.

التصوير السينمائي (خوسيه لويس ألكاين) يبرز جمال الريف الإسباني، مع تناقضات بصرية بين الدفء والعواصف تعكس الحالة النفسية للشخصيات. الموسيقى شبه غائبة، وهو اختيار يتماشى مع أسلوب فرهادي، حيث يعتمد على الأصوات الطبيعية، مثل أصوات المطر أو الزفاف، لتعزيز الجو الدرامي. هذا الصمت يُضفي قوة على لحظات التوتر، لكنه قد يجعل الفيلم يبدو بطيئًا لبعض المشاهدين.

رغم قوته، يُعتبر الفيلم أقل إحكامًا من أعمال فرهادي السابقة. الحبكة تبدو مزدحمة بالشخصيات والصراعات، مما قد يُشتت الانتباه. كذلك، فإن اللغز المركزي يفتقر إلى التشويق المعهود في أعمال فرهادي، حيث تبدو بعض التطورات متوقعة. ومع ذلك، يظل الفيلم جذابًا بفضل الأداء القوي والتأملات العميقة حول الأسرار العائلية.

فيلم “الجميع يعلم” هو تجربة سينمائية تستحق المشاهدة، خاصة لمحبي أعمال فرهادي وأداء كروز وبارديم. رغم أنه لا يصل إلى ذروة أعمال مثل “انفصال” أو “البائع”، إلا أنه يقدم دراما عائلية مشحونة بالعواطف تتناول قضايا الثقة والماضي. إنه فيلم يُحفز التفكير، لكنه قد لا يترك الأثر العميق الذي تتركه روائع فرهادي الأخرى.

أضف تعليق