ليس فيلمًا عاديًا، بل مزيج من الحب، الجنون، والجريمة، حيث يأخذنا كوينتن تارانتينو عام 1988، قبل أن يصبح الاسم الأكثر سطوعًا على الساحة، إلى رحلة على الورق كتبها بحماس متمرّد، وحوّلها عام 1993 توني سكوت إلى عمل يحمل نكهته، وحرفيته، وحواراته التي اعتدناها منه. كتب تارانتينو النص مع رفيقه روجر أفري، وحمل داخله الحب لثقافة البوب، لأفلام السبعينات، ولشخصيات عالقة على هامش الحياة، قبل أن يبيعه بخمسين ألف دولار – مبلغ بسيط على مَر السنين – لسكوت، الذي جعل منه فيلمًا يحمل مزيجًا ساحرًا من الحب، السلاح، الموسيقى، والتحدّي. True Romance هو قصيدة عن الحب المحفوف بالخطر، عن القتال على هامش الحياة، عن شاب مهووس بالكوميكس، ومغنّي ألفيس بريسلي، يجد الحب حيث لم يتوقّع، ليتحوّل الحب إلى سلاح، والسلاح إلى طريق خلاص.

القصة تتبع كلارنس، شاب مهووس بالكوميكس، الأفلام، وصوت ألفيس بريسلي، يقابل فتاة تدعى ألاباما، كانت هدية عيد ميلاده، وتنشأ علاقة حب عفوية تتحوّل إلى زواج، قبل أن يأخذ كلارنس على عاتقه مهمة تخليصها من ماضيها، وينتهي به الأمر بحيازة حقيبة كوكايين اعتقد خطأً أنّها تخصها. من هنا تنطلق رحلة مليئة بالمخاطر، الحب، والسلاح، حيث يأخذنا توني سكوت عبر مشاهد مفعمة بالأكشن، الحوار، والسخرية، لنعيش تفاصيل مطاردة محمومة على وقع الموسيقى، وحوارات تحمل توقيع كاتب يرى الحب والجريمة كوجهين لعملة واحدة. كل مشهد يحمل نكهته، من اللقاء الأول بين كلارنس وألاباما، إلى المواجهة النهائية التي تختلط فيها أصوات الرصاص بنغمات الحب، مخلّفةً أثرًا على القلب قبل العين.
ليس الحوار لدى تارانتينو عنصرًا عابرًا، بل المحرّك الأساسي قبل كل شيء، يأخذ مساحة طويلة على الشاشة، ويبني علاقة عاطفية مع الشخصيات قبل أن يأخذنا إلى ذروة عنف لن تنساها الذاكرة بسهولة. المحادثات مفعمة بالسخرية، الحب، والنقاشات حول الموسيقى، الحب، والسلاح، مما يجعل كل كلمة سلاحًا على مَر الدقائق. المشهد الافتتاحي يأخذ وقته قبل الدخول إلى الحدث، مبنيًا على محادثات عابرة تخدع المشاهد، ثم ينفجر الحدث فجأة على وقع صوت المحرّك وضرب الحديد. الحوار لدى تارانتينو هنا هو سلاح سردي بحد ذاته، يجمع الجد والهزل، الحب والكراهية، التمهّل والتسارع، مُمهدًا الطريق لذروة عنف لن تنساها الذاكرة. يعتمد سكوت على التصوير بأسلوب أفلام السبعينات، محاكيًا الحبوب والخدوش على العدسة، وحجم اللقطات الواسعة التي تلتقط تفاصيل الطريق، إلى جانب لقطات قريبة على وجوه الشخصيات. استخدام الألوان الدافئة، الموسيقى الريفية، وضرب المحرّك على الإسفلت، كلها مكونات لنمط إخراجي يأخذنا إلى عالم مزيج من الحب، الجريمة، والسلاح، حيث يتم عرض الحدث من عدة زوايا، محوّلًا كل مواجهة إلى تحفة بصرية مروّعة، وكذلك مشهد المواجهة النهائية حيث يتم قلب موازين القوى على القاتل، ليشكّل قفلة مميزة تبقى عالقة بالأذهان كرسالة على أنّ الحب يمكن أن يحمل أقوى سلاح، كما يحمل المحرّك على الطريق.

يلعب كريستيان سلايتر دور كلارنس بأسلوب ساحر ومليء بالشغف، حيث يجمع بين الحب، الجنون، والتمرّد، مما يجعل منه شخصية محورية تثير مزيجًا من التوتر، الحب، والجذب لدى المشاهد. ألاباما، التي تؤدّي دورها باتريشيا أركيت، تضيف طاقة وحيوية على القصة، حيث تكتب على الشاشة شخصية عاشقة، متمرّدة، ومستعدّة للمخاطرة بكل شيء من أجل الحب. كذلك تتألق الشخصيات الثانوية، من دينيس هوبر إلى كريستوفر واكن، وجيمس غاندولفيني، حيث يأخذ كل مُمثّل مساحته ليكتب سطرًا من الحب، السخرية، أو الشر، مما يجعل كل ظهور على الشاشة يحمل تأثيرًا على الحبكة، ويبني مزيجًا محكمًا من الحب، الخيانة، والسلاح. الموسيقى لدى تارانتينو ليست عنصرًا مكمّلًا وحسب، بل محطّة محوريّة تكتب الحدث قبل وقوعه، مزيج من الأغاني الريفية، الروك، والسول يأخذنا إلى عالم الحب، الجريمة، والسلاح، حيث المحرّك الموسيقي يشعل مزيجًا من الحب، الانتقام، والتحدّي على الطريق. كذلك يأتي المونتاج، بقيادة سالي مينكي، ليأخذ الحدث إلى أقصى مَداه، موازنًا بين مشاهد الحوار الطويل ومشاهد الاصطدام التي تتفجّر على الشاشة، حيث اللقطات الواسعة على الطريق والتفاصيل التي تلتقطها العدسة تكتب سطورًا على الجسد قبل اللسان، مما يجعل كل مشهد مفعمًا بالألم، الحب، والغضب.
True Romance هو تارانتينو قبل الشهرة، يحمل ماضي السينما، يُحكم على الحب، على الانتقام، على الحديد، ثم يلقيها على الطريق بكل قوة، ليترك أثرًا على القلب قبل العين. الحوار، الموسيقى، التصوير، والمطاردة كلها تكتب شهادة على مخرج وكاتب يرى الطريق فيلمًا، والسلاح قصة، والمشاهد شريكًا على المقعد الأمامي. شخصيًا، عدت لمشاهدته عدة مرات، وفي كل مرة أشعر بنفس الدهشة، بنفس الحب للشخصيات، بنفس التوتر قبل الاصطدام، وبنفس الحماس قبل مشهد المواجهة النهائية، لأخرج منه موقنًا بأن True Romance درس حي على سحر الحوار، قوة العدسة، وحرفية مخرج وكاتب يرى الفن كحلبة للقتال، وحلبة للحب على مَر العصور.


أضف تعليق