إخراج: ستانلي كوبريك
حين يرفض الجنود في الحرب العالمية الأولى مواصلة هجوم انتحاري مستحيل، يقرر قادتهم العسكريون اتخاذهم عبرة لبقية الجنود. أعتبر هذا الفيلم من أكثر أعمال كوبريك رسوخًا في الذاكرة وقوة تأثيرًا.
أبرز ما يميز هذا الفيلم الرائد في الخطاب المناهض للحرب هو الغياب التام لأي شخصية تجسد “العدو الحقيقي”. وهنا تكمن عبقريته؛ إذ لا يستمد عظمته من كونه فيلمًا ضد الحرب فحسب، بل من كونه فضحًا صارخًا للوحشية الكامنة في نفوس القيادات العليا نفسها. لقد قدّم أدولف منجو وجورج ماكريدي أداءً استثنائيًا، جعلا به هذين القائدين العسكريين رمزين للغرور المسموم والانفصال التام عن الإنسانية.
الرسالة هنا واضحة: الخطر لا يأتي من خطوط العدو الأمامية، بل من قسوة القادة الذين يضحون برجالهم في سبيل أوهام المجد الشخصي. قليل من أفلام الحروب تجرأت على الغوص في هذه العتمة السياسية والأخلاقية؛ معظمها يكتفي بالتنديد بالمجازر أو تمجيد البطولة. أما مسارات المجد، فهو يذهب أبعد من ذلك بكثير، إذ يصوّر الجبن المقنّع ببدلات الشرف والأوسمة، ويكشف كم أن السعي وراء المجد غايةً بحد ذاتها قد يكون أكثر تدميرًا من أي عدو خارجي.
يستخدم كوبريك أسلوب تصوير صارم يفيض بالرهبة: الكاميرا تتحرك في الخنادق بخطوط مستقيمة خانقة، فتزيد الإحساس بالقدرية واللاجدوى. اللقطات الواسعة للجنود الهائمين بين الطين والخوف تكثّف التباين بين بؤسهم اليومي وغرور ضباطهم. الحوار بارد، مقصود فيه الجفاء، وكأنه يقتطع أرواح الشخصيات أمامنا بلا رحمة.
إنه فيلم يجرّد الحرب من أي رومانسية زائفة، ويضع أصبعه على الجرح: الذين يصنعون قرارات الموت هم أنفسهم أكبر الأخطار على الجنود. ولهذا أعدّه شخصيًا أحد أعظم الأفلام التي تناولت عبثية الحرب وخيانة القيم الإنسانية.


أضف تعليق