فيلم “أربعاء الألعاب النارية” (Chaharshanbe-soori)، الصادر عام 2006، هو العمل الثالث للمخرج الإيراني أصغر فرهادي، ويُعدّ خطوة بارزة في مسيرته السينمائية. يُظهر الفيلم براعة فرهادي في نسج دراما اجتماعية مكثفة تكشف عن تعقيدات العلاقات الإنسانية والصراعات الداخلية في إطار يوم واحد مليء بالتوتر والرمزية.
القصة: يوم واحد يكشف الحقائق
تدور أحداث الفيلم في يوم عيد “أربعاء الألعاب النارية”، وهو تقليد إيراني يسبق رأس السنة الفارسية. تُكلّف روزي (ترانه عليدوستي)، وهي فتاة شابة تعمل خادمة، بتنظيف منزل عائلة من الطبقة الوسطى. سرعان ما تجد نفسها وسط صراع زوجي بين مژده (هديه تهراني) ومرتضى (حميد فرخنژاد)، حيث تتصاعد الشكوك حول خيانة محتملة. من خلال عيني روزي، يتم الكشف تدريجيًا عن التوترات العائلية، الأكاذيب، والصراعات الأخلاقية التي تهز استقرار هذه العائلة. ينجح فرهادي في تحويل قصة يومية إلى تأمل عميق حول الثقة، الغيرة، والضغوط الاجتماعية.
الإخراج: تحكم دقيق بالإيقاع
يُبرز فرهادي في هذا الفيلم مهارته في بناء التوتر من خلال إيقاع متقن. يستخدم الكاميرا بأسلوب واقعي، مع تركيز على الحوارات والتفاعلات البشرية، مما يجعل المشاهد يشعر وكأنه يعيش داخل المنزل. الأجواء المزدحمة بالأصوات، خاصة أصوات الألعاب النارية في الخارج، تُضفي رمزية قوية تعكس الفوضى الداخلية للشخصيات. اختيار فرهادي لتصوير الفيلم في يوم واحد يُضفي إحساسًا بالإلحاح والكثافة، حيث تتكشف الأحداث بطريقة تبدو طبيعية ولكنها محكمة.
الأداء: واقعية مبهرة
يقدم الممثلون أداءً استثنائيًا يعزز من قوة الفيلم. ترانه عليدوستي (روزي) تتألق في دور الفتاة البريئة التي تُصبح شاهدة على فوضى العائلة، حيث تنقل ببراعة انتقالها من اللامبالاة إلى التورط العاطفي. هديه تهراني (مژده) تُجسد شخصية المرأة الممزقة بين الشك والغضب بأداء قوي ومؤثر. حميد فرخنژاد (مرتضى) يقدم أداءً متوازنًا يعكس تناقضات الشخصية بين الدفاع عن النفس والشعور بالذنب. الثلاثي معًا يخلقون ديناميكية تجعل كل مشهد نابضًا بالحياة.

السيناريو: حوارات تحمل طبقات المعاني
السيناريو، من تأليف فرهادي ومنيژه حكمت، هو جوهر الفيلم. الحوارات مكتوبة بلغة واقعية تعكس تفاصيل الحياة اليومية، لكنها تحمل في طياتها أسئلة أعمق حول الثقة، الأسرار، والعلاقات الزوجية. يبرع فرهادي في تقديم الصراعات الأخلاقية دون الحكم على الشخصيات، مما يترك المشاهد يتساءل عن الحقيقة ويتعاطف مع جميع الأطراف. الفيلم يتناول قضايا اجتماعية مثل الفوارق الطبقية والضغوط على المرأة في المجتمع الإيراني بطريقة غير مباشرة ولكنها مؤثرة.
التصوير والموسيقى: تعزيز الجو النفسي
التصوير السينمائي (حسين جعفريان) يعتمد على إضاءة طبيعية ولقطات وثائقية تُبرز واقعية الأحداث. المنزل، بغرفه الضيقة، يصبح رمزًا للتوتر المحصور. الموسيقى شبه غائبة، وهو اختيار ذكي يعتمد على أصوات الألعاب النارية والضجيج الخارجي لتعزيز الإحساس بالفوضى والاضطراب. هذه الأصوات ليست مجرد خلفية، بل جزء لا يتجزأ من السرد.
النقد: نقاط طفيفة
قد يجد بعض المشاهدين أن تركيز الفيلم على الصراعات الداخلية يجعله أقل ديناميكية في بعض اللحظات، خاصة لمن يفضلون الأفلام ذات الحبكات السريعة. كذلك، قد تبدو بعض الشخصيات الثانوية أقل تطورًا، مما يُضعف تأثيرها مقارنة بالشخصيات الرئيسية. ومع ذلك، هذه النقاط لا تُقلل من قوة الفيلم ككل.
الخلاصة: دراما مكثفة ومؤثرة
فيلم “أربعاء الألعاب النارية” يُظهر تطور أصغر فرهادي كمخرج قادر على تقديم قصص إنسانية معقدة بأسلوب بسيط ومؤثر. ينجح الفيلم في الجمع بين الواقعية والرمزية، مقدمًا تأملات حول الثقة والخيانة في إطار اجتماعي دقيق. إنه عمل يستحق المشاهدة لمحبي السينما الإيرانية ولمن يبحثون عن دراما تُحفّز التفكير.


أضف تعليق